– المحاضر : د. رنا حمد

– المحاضرة : نصية

– قدمت في : 2018 / أكاديمية FG – Group الأمريكية


نبدأ بخير ما بدئ به ، كلمة تدخل إلى قلوبكم لتخبرها بالسلم والمحبة والألفة .

فلنبدأ معكم أعزائنا بالسلام .. فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

تحية نجددها لكم مع كل إبتداء و كل إنتهاء و في كل آن .

على دروب الخير نلقاكم وعلى شرفات الأمل الصادق نرحب بكم ومن سويداء قلوبنا نبعث لكم ..

نبضات قلوبنا في أكاديميتنا وقد حوت أغلى العطور ..

بشذى الورود .. و رحيق الزهور .. وعطر الياسمين .. فمرحباً بكم وحياكم الله ..

التوكل على الله عبادة الصادقين ، وسبيل المخلصين ، أمر الله تعالى به أنبياءه المرسلين ، وأولياءه المؤمنين ، قال رب العالمين : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِير {58} الفرقان .

ومن أعمال القلوب التي لا يجوز صرفها لغير الله تعالى ( التوكل ) وهو مصاحب للعبد الصادق من أول قدم يضعها في الطريق إلى ربه إلى نهايتها فكلما ازداد قربه من ربه وقوي سيره ازداد توكله .

فالتوكل هو موضوع هذا الأمسية ، وقد اخترته بمحض إرادتي ، وإلحاح حاجتي ، فهو عبادة عظيمة ترافق العبد الصادق في جميع أعماله حتى ولو كانت من أمور الدنيا .

ولأني رأيت بعض الناس قد ساءت أحوالهم وتخبطت أفهامهم ، فمنهم من ركن إلى الأسباب وادعى التوكل ، ومنهم من جانبها وادعى التوكل وقليل من دق فهمه ، وسلم حاله ، واقتفى أثر النبيين والصديقين في هذه العبادة العظيمة .

لا بد لنا من تعرف التوكل بصورتيه اللغوية والإصطلاحية :

تعريف التوكل على الله تعالى  لغةً :

هو من وَكَلَ ، ويعني الاعتماد على الغير لتسيير أمرٍ ما وتفويضه ، وإظهار العجز أمامه ، فعندما نقول وكلت أمري لفلان فذلك يعني أنني اعتمدت عليه ، ووكّل فلان فلاناً إذا استكفاه أمره ثقةً بكفايته ، أو عجزاً عن القيام بالأمر بنفسه ، ويُقال وكل إليه الأمر وَكْلاً ووكولاً : أي سلمه وترك ، والوكيل الذي يقوم بأمر موكله ، بينما التوَكُّل في علم الكلام هو جمع العزم على الفعل في اطمئنان القلب إليه تعالى .

التوكل اصطلاحاً :

هو صدق الاعتماد على الله تعالى في تسيير الأمور ، واستجلاب المصالح ، ودفع مضارّ الدنيا والآخرة ، فيكون العبد واثقاً مما عند الله تعالى ، وراضياً به ، ويائساً ممّا في أيدي الناس ..

قال تعالى : { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {23} المائدة ‏، وقال تعالى ‏:‏ { إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ {84} ‏يونس‏ ‏.

أن كل التعريفات السابقة صحيحة من وجهها التي تكلمت عنه .

فالتوكل من وجه هو اعتماد ، ومن وجه ثقة بالله تعالى ، ومن وجه هو طمأنينة القلب بما يعد الحق .

لذلك نحن هنا في هذه الأمسية لا نريد أن نتكلم في التعاريف ، فكلها لها صحتها ولكن دعونا نتكلم بمحور كل هذه التعاريف .

المحور الذي يحمل روحانية التوكل .

المحور الذي تدور حوله كل تلك التعريفات ، المحور الذي عاشه الصادقون فإذا بهم يرونه كما عرفوه ، هناك وكالة  قانونية خاصة وعامة ، و إنما هما وكالتان في عموم ما يملكه الشخص وما هو داخل في ذمته .

أما الوكالة المطلقة  فهي وكالة رب العالمين  من اسمه الوكيل ..

إذا أمكن منحي فرصة للإسترسال بالفكرة التالية فهي مهمة جداً و تحتاج تركيز . و سنترك مجال للجميع للمداخلة و التعبير بكل ما يريد .

إذاً .. مرة أخرى ..

هناك وكالة  قانونية خاصة و عامة ، و إنما هما وكالتان في عموم ما يملكه الشخص وما هو داخل في ذمته .

أما الوكالة المطلقة  فهي وكالة رب العالمين  من اسمه الوكيل .. فهو أمرنا وسمح لنا أن ننزله بمنزلة الوكيل  فنجعله وكيلنا .. وكل ما في الوجود انما هو من خلق الرب ..

وكل ما تفعله الموجودات المخلوقة إنما هو من فعله تعالى .. فلم يعد هناك مُوَكل غير الله تعالى .. فهو الوكيل الأبدي الأزلي ..

حتى الوكلاء البشريون أو الوكلاء من المخلوقات .. اذا لم يتجلى عليه الوكيل الحق ويأذن بتمشية وكالتهم وتوكلهم ما كانوا وكلاء ..

وحتى الربانيين إذا توكلوا أو أحد ما وكلهم في قضية ما فإنهم يكونون موكلين بتحققهم وتخلقهم باسمه تعالى الوكيل .

فعادت الوكالة إليه وكان هوالمُوَكل ، وهذا الأمر يسمى الوكالة المطلقة .

وقد أمرنا بالتوكل فقال تعالى  :

{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً {9} المزمل .

يعني  نعتقد أنه الوكيل المطلق في قلوبنا ، ولا نوكل غيره في قلوبنا .

و مع إعتقادنا انه هو الوكيل الواحد الأحد في قلوبنا ، في الظاهر المُعاش يجب علينا أن نقوم بالوكالة الدورية .

 فنفوض أمرنا إليه ونتوكل عليه في كل حدث  تلو الحدث بشكل دوري .

عندنا في سورة آل عمران آية جميلة و جليلة أحب أن أجعلها مقدمة لموضوعنا :

و تقول الآية :

{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ {159} صدق الله العظيم ..

{ .. فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ .. {159} آل عمران .

ففي مقدمة هذا الكلام استفدنا معلومة و سر جميل في القرءان الكريم الذي سيكون جواب على السؤال التالي :

أين يبدأ التوكل ؟

الجواب التام هو كالتالي :

هناك جزيئية صغيرة غابت عنكم هي مفصل الجواب الصحيح ..

نقول : أنا أريد التوكل على الله من أين سأبدأ ؟  يبدأ بولادة النية .. يلد التوكل مع النية

للتوضيح زيادة :

تريد أن تقدم على فعل معين فتعزمه لوجه الله تعالى .. أريد أن أفعل شيء معين لوجه الله سبحانه و تعالى من يريد أن يفعل هذا الشيء ؟

لست أنا و ليس بطاقتي فلا حول و لا قوة إلا بالله ، فالحول و القوة لله الواحد الأحد فمعناه متوكل على من ؟؟ على رب هذه النوايا ..

متوكل على رب العباد .. متوكل على الله { .. فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ .. {159} آل عمران .. هذا هو لب موضوع التوكل بكل بساطة .

سؤال : يبدٲ التوكل في كل شيئ من عند بدء التسمية وفي كل ٲمر صغير وكبير ؟

الجواب : لمجرد أن سميت ، فقد ذكرت الله تعالى قبل البدأ بالفعل ، فيجب أيضاً أن ستحضر نية التوكل لتكسب الأجر و تكون من الفائزين ..

لأننا سنتعرف بعد قليل أن التوكل ليس فقط تفويض ، و إنما هو عبادة في عين التوحيد ، فلا تستهينوا به أبداً .

سنتطرق الآن إلى المفهوم المتداخل مع التوكل ألا و هو :

الأخذ بالأسباب  واجب وجاهل من لا يأخذ بالأسباب بدعوى التوكل .. فلا يترك الأسباب إلا من لايعرف الحقيقة ..

فالله تعالى ربط الأسباب بالقدرة فالقطع لايكون إلا بسبب والحرق لايكون إلا بسبب والكسب لايكون إلا بسبب ..

وغير ذلك لايكون .. لذلك وجب علينا الأخذ بالأسباب أولاً .. ثم التوكل على الله تعالى  ثانياً .

قيام الجوارح بالأسباب ، واعتماد القلب على مسبب الأسباب – سبحانه وتعالى – :

هذا مذهب أهل السنة والجماعة ، وهو الحق الذي دلَّ عليه الشرع والعقل ، وهو الوسط في كل مذهب ، فأثبت للأسباب تأثيراً في مسبباتها ، لكن لا بذاتها ، بل بما أودعه الله تعالى فيها من القوى الموجبة ، وهي تحت مشيئته وقدرته ، فإن شاء منَع اقتضاءَها ، وإن شاء جعلها مقتضية لأحكامها ، فأهل السنة والجماعة – يوجبون الأخذ بالأسباب ، ويعتقدون عدم منافاتها للتوكل ، بل إن التوكل من أعظم الأسباب في جلْب المنافع ودفْع المضار ، ونفي الفقر ووجود الراحة ، ويرون ضرورة الأخذ بالأسباب ، مع عدم الاعتماد عليها ، ويكون التوكل بالقلب على الخالق ، مع اتِّباع الأسباب في ظاهر الحال فقط ، والأخذ بالأسباب ثم الاعتماد على الله – عز وجل – هو مذهب أهل الحق من سلف الأمة ؛ قال تعالى : { وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ {67} يوسف .

إذاً لا توكل بلا أخذ سابق لأسباب ما توكلنا به ومن الأدلة على ارتباط التوكل بالأخذ بالأسباب من القرءان الكريم :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ {71} النساء .

{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ {60} الأنفال .

{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {10} الجمعة .

{ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ {69} الأنفال .

{ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى {197} البقرة .

الأسباب مهمة .. حتى مع مريم إبنة عمران عليهما السلام أمرها الله بالأسباب عندما قال لها .. وهزي إليك بجدع النخلة ..

{ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا {25} مريم .

حيث أن السيدة مريم لم تترك الأسباب ، فأخذت بأمر الله سبحانه و تعالى بأن تهز النخلة و توكلت على أن رزقها سيأتيها بثقتها بالله تعالى ..

أما التواكُل :

فهو ترك الكسب ، والطمع في المخلوقين ، والاعتماد عليهم بالتخلي عن الأسباب التي وضعها الله – عز وجل – والانقطاع عن السعي والتقاعد عن العمل ، وانتظار النتائج من الخلق أو القدر .. يجب إنتظار النتائج من الحق وليس من الناس .

أهمية التوكل ومنزلته من العقيدة والإيمان والسلوك :

التوكل على الله خلقٌ عظيم من أخلاق الإسلام ، وهو من أعلى مقامات اليقين ، وأشرف أحوال المقربين ، وهو نظام التوحيد وجماع الأمر ؛ كما أنه نصف الدين والإنابة ، نصفه الثاني ، ومنزلته أوسع المنازل وأجمعها ، وهو مفتاح كل خير ؛ لأنه أعلى مقامات التوحيد وعبادة من أفضل العبادات ، وهو فريضة يجب إخلاصه لله تعالى وعقيدة إسلامية ؛ لقوله تعالى : { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {23} المائدة .

فإن تقديم المعمول يفيد الحصر ؛ أي : وعلى الله فتوكلوا لا على غيره .

إن التوكل شرط من شروط الإيمان ، ولازم من لوازمه ومقتضياته ، فكلما قوِي إيمان العبد ، كان توكله أكبر ، وإذا ضعُف الإيمان ضعُف التوكل ؛ قال الله – عز وجل – : { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {122} آل عمران ، وفي الآية الثانية قال : { وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ {84} يونس .

فجعل دليل صحة الإسلام التوكُّل ، وهو من أشرف الرُّتب وأعلى المقامات من أعمال القلوب  ، التي هي أصل الإيمان الذي هو أجلُّ وأعظم ما تُعِبِّد الله تعالى به ، والتوكل من أجمع أنواع العبادة وأعظمها ؛ لِما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة ..

و التوكل مقترن بمراتب الدين الثلاث :

( الإيمان والإسلام والإحسان ) ، وشعائره العظام ، والتوكل مقام جليل القدر ، عظيم الأثر ، جعله الله سببًا لنيل محبَّته ؛ قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ {159} آل عمران .

التوكل عبادة جليلة يا أخوتي و ليس مجرد إعتقاد قلبي ، يترتب على شهود أن لا فاعل إلا الله .

سؤال : عندما اتوكل على الله في أمر وآخذ بالاسباب ، لكن يبقى داخلي توتر وقلق أو خوف .. مثلاً هل سيتيسر لي أمر معين و و و ..

هل خوفي دليل عدم صحة وصدق توكلي على الله ؟ علما بأن طبيعتي كثيرة الخوف .. اتقلب بين شعورين اسكن واهدأ تارة عندما اذكر الله تعالى واخاف تارة ؟

الجواب : قد يكون الخوف و القلق من إنتظارنا لنتائج ما سيقدمه الله لنا ، هذا شعور عادي ..

لكن عند التوكل الحقيقي ، يتلاشى هذا الشعور لمعرفتنا ويقيننا أن الله هو المدبر وأن الخير كل بإختياراته لنا و تدبيراته لكل شؤوننا .. حباً و إستسلاماً لقضائه .

وَعَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ .. قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن : إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ ” .

فلا خوف من خير الله فاعله و مقدمه .

سؤال : هل ممكن شخص يحقق التوكل في جلب الرزق المادي ولا يحقق التوكل في جلب الرزق الروحي ؟ أم من يتوكل على الله فهو توكل على الله في كل شيء ؟

الجواب : لا يجوز ، التوكل معنى ثابت ينسحب على كل أبعاد العبد ، إما أن يكون متوكلاً أو لا يكون .. لا يوجد لون رمادي في معاني الأشياء ، يا أسود يا أبيض .

يعني : كيف تكون متوكلاً على الله في موضوع رزقك  في وقت ما ..

ولا تكون متوكلاً عليه مثلاً في أمر الذهاب إلى الطبيب للإستطباب و رفع ضر المرض عنك ..

فلا تشهد أن الله هو الشافي المعافي والدكتور سبب بينما تشهد أن الله الرزاق من ساق لك راتبك على يد محاسب شركتك .

الثمار الروحية للتوكل :

1- تحقيق الإيمان :

 قال تعالى : { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {23} المائدة .

2- من أبرز ثمرات التوكل ، الكفاية :

وهذا أمر لا ينتبه إليه كثير من المسلمين اليوم .. وهو كفاية الله المتوكل جميع شؤونه ؛ لقوله تعالى : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {3} الطلاق .

حسبه أي كافيه .. فهنا الكفاية إنما هي مرتبطة بالتوكل والتوكل يفعلها ذاتياً ..

أي : كل شخص لايجد كفايته في معيشته فهذا يعني انه ينقصه نور من أنوار التوكل وهناك  خللاً في توكله على الحق .. ولذلك الحل في تصليح هذا الخلل تحقيق توكله بأن لايرى فاعلاً إلا الله تعالى وبالتالي يصلح أنوار الكفاية في ذاته وتنحل مشكلته .

وللحديث الشريف : إذا خرج الرجل من باب بيته ، كان معه ملكان موكلان به ، فإذا قال : بسم الله ، قالا : هُديت ، فإذا قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، قالا : وُقِيت ، فإذا قال : توكَّلت على الله ، قالا : كُفِيت ، قال : فيَلقاه قريناه ، فيقولان : ماذا تريدان من رجل قد هُدي ووُقي وكُفِي .

3- نستطيع أن نحصل على قدرة الحب من بحور التوكل :

يورث محبة الله تعالى ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ {159} آل عمران .

فمن معاني الحب ، اللزوم و الثبات .

اللزوم والثبات هو في حالة الجمال .. يعني لزوم الجمال والثبات على هذا الجمال هو الحب .. فهل هناك أجمل من الله الجميل لنتلذذ بجمال لزومه .

4- من أقوى الأسباب في جلب المنافع ودفْع المضار .

قال ابن عباس : “حسبنا الله ونعم الوكيل ” ، قالها سيدنا إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار ، وقالها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حين قال له الناس : { .. إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ .. {173} آل عمران ، قوله : ” ونعم الوكيل ” ؛ أي : نعم الموكول إليه ؛ كما قال تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ {78} الحج ..

قال ابن القيِّم رحمه الله : هو حسب من توكَّل عليه ، وكافي من لجَأ إليه ، وهو الذي يؤمن الخائف ، ويُجير المستجير ، فمن تولاَّه واستنصر به ، وتوكَّل عليه ، وانقطع بكُليَّته إليه ، تولاَّه وحفِظه ، وحرسه وصانه ، ومن خافه واتَّقاه ، أمَّنه مما يخاف ويَحذَر ، وجلَب إليه ما يحتاج إليه من المنافع : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ {3} الطلاق .

5- القوة :

يورث قوة القلب وشجاعته ، وثباته وتحدِّيه للأعداء ، ويُورث القوة الروحية ؛ لحديث : ” … ومن سرَّه أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله ” ..

أن بالتوكل يكون العبد أقوى .. إذاً : بأن لاترى فاعلاً إلا الله تعالى تكن أقوى الناس .

6- يورث الصبر والتحمل :

ولهذا اقترن الصبر بالتوكل على الله تعالى في مواضع من القرءان ؛ منها : { الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {59} العنكبوت ، { وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ {12} إبراهيم .

7- العزة :

نأتي إلى خاصية جميلة ومفيدة أيضاً في روح التوكل .. وهي مستنبطة من ارتباط التوكل  بالأسماء الإلهية .

قال تعالى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ {217} الشعراء .

{ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {49} الأنفال .

{ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {160} آل عمران .

العزة قدرة هامة يمكنك أن تحوزها بعين توكلك على الله تعالى .

لذلك هنا سر لخصه لنا الحسن رضي الله عنه قال : العز والغنى يَجولان في طلب التوكل ، فإذا ظَفِرا أَوْطَنَا .

عندما ترى أن لا فاعل إلا الله تعالى لا يعود لك شيء لتبصريه فاعلاً أو له شأن .. الغنى برؤية الحق موجود وأن كل ما سواه مفقود .

8- يورث الرزق :

وعن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : لو أنكم توكَّلون على الله حقَّ توكُّله ، لرزقكم كما يرزق الطير ؛ تَغدو خماصاً وتعود بطاناً ؛ رواه أحمد، وابن المبارك في الزهد ، والترمذي في الزهد ، وابن ماجه في الزهد ، والحاكم وصحَّحه ، ووافقه الذهبي والبيهقي في الشُّعَب ، وأبو نُعيم في الحلية وغيرهم .

9- يورث الرضا بالقضاء :

قال ابن القيِّم : فإنه إذا توكَّل حق التوكل ، رضِي بما يفعله وكيلُه .

الآن ننتقل إلى سيد الفوائد في التوكل :

 قال تعالى : { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {99} النحل ..

السر بناءً على الآية الكريمة : الايمان بالرب والتوكل عليه .. ينهي شيء اسمه شيطان في حياة المؤمن المتوكل .

10- إذا السلطة الابليسية تصبح معدومة بمجرد التوكل .. فبشهودك أن لا فاعل إلا الله تعالى ، عدمت وجود فاعلاً ابليسيا و لم تعد ترى ابليساً ولا فاعلا ابليسياً .. وبالتالي عدمت سلطانه عليك .

فالله هو النافع الضار .. ولو هم ابليس ليضرك فإن شهودك الله فاعل يجعلك حاضراً مع الله  ذاكراً لله تعالى فيحبط العمل الإبليسي في جنب الله تعالى  فلا يضرك .. لا سلطة للشيطان على من يرى الفاعل هو الله وحده .

التوكل هو النظرة القلبية الى عالم الأفعال .. بمجرد نظر القلب إلى عالم الأفعال انه صادر عن الحق ومن الحق وبالحق وأن لا فعل لغيره فقد حاز العبد الحقيقة التوكلية ..

أما أن تتذبذب هذه الحقيقة في قلب الإنسان فهذا لاشك يحتاج جهاد نفس من وجه وتمرين من وجه ودعاء بالثبات على الكشف وعدم الحجاب .. أي لا ننحجب عن رؤية أي مخلوق فاعلاً .

فقد علمنا وفهمنا أن للتوكل حضرات .. وهو مستغرق كل الوجود ولكل توجه خصوصية :

بأن لا ترى فاعلاً إلا الله تعالى تكن أقوى الناس ..

بأن لا ترى فاعلاً إلا الله تعالى تحوز قدرة الكفاية ..

بأن لا ترى فاعلاً إلا الله تعالى تحوز على كفالة حب من الحق ..

بأن لا ترى فاعلاً إلا الله تعالى تحوز قدرة العز ..

بأن لا ترى فاعلاً إلا الله تعالى تحوز قدرة النصر ..

بأن لا ترى فاعلاً إلا الله تعالى تكون حراً من سلطة الشيطان عليك ..

بأن لا ترى فاعلاً إلا الله تعالى تحوز على مستجلبات الإرتزاق ..

بأن لا ترى فاعلاً إلا الله تعالى تحوز على سبق الدخول إلى الجنة ..

بأن لا ترى فاعلاً إلا الله تعالى تحوز على ضياء الوجه في الآخرة ..

بأن لا ترى فاعلاً إلا الله تعالى تدخل الجنة بلا حساب ..

لو بقينا ليوم غدٍ نتكلم على نفس واحد لن ننتهي .. فهو الله و كفى ..

حان وقت الرحيل ..

فلكم مني الشكر الجزيل على حسن متابعتكم ، ولنا عليكم الدعاء بالتوفيق ، وهذا أقل شيء يمكن أن نقدمه لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 


تمت والحمد لله رب العالمين

Mail : info@fg111.net