– عنوان المحاضرة : حاكمية الكلمة

– المحاضر : د. منى حمادي

– المحاضرة : نصية

– قدمت في : 2018 / أكاديمية FG – Group الأمريكية


في مستهل لقائنا لهذا اليوم أبارك لكل القائمين على مهرجان علوم القدرات النورانية هذا التفوق الحضاري الذي يشهده العالم وسيسجله التاريخ كعلامة نورانية فارقة في سماء هذا العصر ..

وأخص بخالص الشكر وعظيم الامتنان سماحة المؤسس الحكيم علامة الديار الشامية الشيخ د. هانيبال يوسف حرب حفظه الله تعالى لما أضاف للبشرية من أنوار في عالم العلم والمعرفة المتفوقة بجمال إحساني ..

هذه الأنوار التي تبني حضارة باكملها ..

فلا تقوم حضارة وتسمو إلا بالعلم وليس أي علم وإنما علوم مستقاة ومدعومة بحقائق القرءان الكريم والسنة النبوية الشريفة ..

بارك الله بسماحته وزاده عزاً وتشريفاً وباهى به العالمين ..

واتوجه بالشكر لجميع المحاضرين والمحاضرات الاكارم التي ستبقى مشاركاتهم وكلماتهم بصمة في عالم الحقائق تشهد لهم ..

والشكر لجميع الحضور الكرام الذين يغنون هذه اللقاءات والمحاضرات بجميل مشاركاتهم الجميلة ..

وأبدأ بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرسل رحمة للعالمين والذي اهتدينا لنوره ببيان القرءان المبين والذي أفصح عن حبه بكلمات ليست كالكلمات ..

بل هي من الحروف مصفوفات تعلن عن كماله المكين وآله وصحبه وسلم ومَن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .

( حاكمية الكلمة )

– مقدمة :

الكلمة هي مصفوفات حرفية تتنافس فيما بينها لتصوغ المعاني ، فللكلمة حاكمية تُظهر المعنى وترسخ المبنى ، وهي في الأصل موصلة الإرادة الإلهية لكل واعٍ لحقيقة الكلمة النورانية ، وأكمل دستور للبشرية والذي هو القرءان الكريم إنما هو حقائق كلامية أعجزت ببراهينها الخلائق عن الاتيان بمثلها ؛ وتفرَّدت بدقائق توحيدها للإله الأحد بإجمالها وتفصيلها .

ولعل من جماليات الكلمة وقوة حاكميتها تلك الخصوبة التي تتمتع بها فهي مخزون لكم هائل من المعاني ، فلا يمكن للمعنى أن يتجسد إلا عن طريق الكلمة وإلا بقي مكنوناً في عالمه .

وبالرغم من أن الكلمة رسول المعنى إلا أن هذا الرسول جواد بغناه ، فإن أدى رسالته يكون قد أصدر حكمه وتربع على عرش ملكه .

أهلاً ومرحباً بكل الحضور الكرام وبمن انضم إلينا ..

وأود أن أشير إلى أن موضوعنا اليوم يتناول بشكل خاص الكلمة المنطوقة ..

مع الإشارة إلى أن هناك أنواع أخرى من الكلمات مثل الكلمة التامة والتي أفرد لها العارف بالله تعالى سماحة العلامة الشيخ د. هانيبال يوسف حرب حفظه الله تعالى مساحة خاصة بتأسيسه لعلم ( تمام الكلمة ) والذي نذكر منه :

( من الممكن اعتبار الحرف القرءاني كلمة وهي من أبهر وأدهش وأعظم علم من علوم الكون ..

كيف أن الحرف الواحد هو اسم وكلمة من كلمات الله تعالى وهي كلمة تامة كاملة وله تسخيرات عديدة ؛ مثال من قوله تعالى : { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ {1} القلم ، فالكون كله إذا جاء ليسطر ما هو مكنون في بحر الـ ن من علم فلن يستطيع ذلك { قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا {109} الكهف .

– المكنون العجيب للكلمة :

لعل أدق دليل وأعظم برهان على الفيض المذهل لمكنون الكلمة الذي لا يضاهيه شيئ قول الله عز وجل في كتابه المبين :

بسم الله الرحمن الرحيم  { قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا {109} الكهف .

فإذا قال قائل : إنها كلمات الرب ولا نقارنها بكلمات العبد ، نقول : نعم ..

إن الكلمة الربانية قوة معجزة ومهما وصل إلينا من فهوم يبقى الإدراك قاصراً عن كثير من المعاني لتلك الكلمات .

إلا أن الله تعالى قد منح آدم عليه السلام قوة جبارة وتأييد عظيم حين علمه الأسماء كلها { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا } فالأسماء تفيد كل المسميات سواء كانت أسماء أم أفعالاً أم صفات ..

من هنا نعلم أن الحضرة الآدمية تكتنز كنزاً هائلاً من الكلمات وجب عليها التبصر بحقيقتها ومعانيها ، وهذا يؤكد أن سيطرة وحاكمية الكلمة لا يكون إلا بنور العلم وحقيقة رقائقه .

فبقدر مافي عالم الخيال من وسع وآفاق وسياحة أخاذة لعوالم قد تتراءى للمرء أنها لا متناهية إلا أن الكلمة أكثر وسعاً من الخيال وأشد مهارة في التحليق في عالم المعاني المدهش ، فعبارة ( كل شيئ ) قد تعني للبعض كل مافي الوجود من الفرش إلى ما تحت العرش ، بينما عبارة ( لاشيئ ) فهي تفيد انتفاء كل الموجودات العينية في الكون ، فتفكَّر في حقيقة الكلمة وماتحمله من معانٍ .

ننتقل إلى عوالم حاكمية الكلمة لنتعرف على تلك الحقيقة :

أولاً – حاكمية الكلمة كشفاً وقدرةً :

إن حاكمية الكلمة تتبدى بوجوه كثيرة إلا أننا من حيث البيان يمكننا أن نوضح وجهين هما الأكثر ظهوراً واللذين من خلالهما يتضح مفهوم الحاكمية ببساطة وهما :

عالم الكشف وعالم القدرة .

ففي عالم الكشف : نجد أن الكلمة كاشفة للمعنى بحروفها وذلك أن الكلمة لا تتجرد عن المعنى ..

فمتى وُجدت الكلمة كان هناك معنى ، وبالتالي فإن مجرد التلفظ بها تصبح حقيقة كاشفة لمعنى واحد أو لكل المعاني حسب المتبصر بها وحسب غوصه في معانيها .

أما في عالم القدرة : فإن للكلمة فاعلية وتأثيرقدروي جليّ من حيث ذاتيتها وبتوجه المتلفظ بها وكلما كان المتلفظ عالماً بحقيقة سيطرة حروفها بمعانيها الظاهرة والباطنة كانت قدرتها أسطع وألمع .

فكلمة ( نبي ) لها القدرة لأن تحكم كل عوالم الإنسان بالجمال والهيبة والإجلال بأن هناك إنسان له خصوصية عند رب العالمين وهو مرسل لقوم أو أقوام أو للبشرية جمعاء ..

تلك قدرة كامنة في كلمة واحدة مؤلفة من ثلاث حروف فقط ظهرت إلى الوجود وحكمت عوالماً بأكملها .

سؤال : وصف الحرف بأنه كلمة ، فهل لو قلنا ( ج ) هو يحمل أي حاكميه من المعاني هنا ؟

الجواب : نعم إذا قلنا ( جيم ) فهو رسم الحرف .. وهي كلمة مستقلة تتضمن معان كثيرة وتفتح آفاقاً هائلة في ذاتيتها .

ثانياً – حاكمية الكلمة في التكوين :

قال الله تعالى في كتابه العزيز : بسم الله الرحمن الرحيم  { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {82} يس .

كان الله ولا شيئ معه ، وحين أراد أن يُظهر إرادته للوجود أمر المكنون بالتكوُّن ليعبِّر عن التلبية الواحدية للذات الأحدية وما كان أمره للتكوين هنا إلا بكلمة ( كُن ) فكان .

فالنشأة الأولى للوجود إنما كانت بتوجه الإرادة الإلهية إلى الوعي الكوني للموجودات وإيقاع هذه الإرادة وإنفاذها في الوجود بموجب الأمر الإلهي ( كُن ) .

ولم تكن ( كُنْ ) إلا أمر بالفعل .. أو فلنقل أمر بالانفعال لكلمة التكوين .

من هنا علمنا أن حرفين اثنين ألَّفا كلمة كانت سبباً في ظهور العالم بأكمله ..

ولا نقول إنَّ الكلمة الإلهية ( كن ) هي السبب الوحيد في التكوين وإنما كانت السبب الأوضح ليفهم الإنسان أن هناك سبباً في الإيجاد عن طريق الكلمة وليعي تماماً حاكمية الكلمة في الوجود ..

تلك الكلمة التي كانت بدءاً لحياة من الحيوات .

ولما أمرنا الله تعالى أن نتخلق بأسمائه وصفاته وكان من أسمائه الخالق والخلَّاق فقد أمكن للعبد أن يمارس فعل التخليق ، وإذا كان التكوين الإلهي ينفذ بالأمر ( كُن ) بموجب الإرادة الإلهية ..

فإن الإرادة الإنسانية حين تتجه لتتخلَّق بالإرادة الإلهية فإنها تكوِّن بالكلمة .

إلا أن دقة قانون التكوين بإرادة المخلوق لا بد وأن تتمايز عن إرادة الخالق جلَّ وعلا بصورة تتناسب مع مخلوقيتها ومع وعيها الكوني ومع توجهها للوعي الكوني الوجودي وهذا مايشير إليه اسم من أسماء الله تعالى ألا وهو ( أحسن الخالقين ) .

فمن أوامر التكوين الإنساني التوجه بنور التكوين تفعيلاً لحقيقة أن التكوين إنما هو ( بسم الله الرحمن الرحيم ) لا باسم العبد .

وربما يتراءى للعبد أن إمكانية التخليق يكون للماديات الملموسة فقط ، إلا أن الحقيقة الحتمية أبعد من ذلك بكثير حين نعلم أن هناك تخليقات ملائكية بحقيقة الكلمة الإنسانية .. نعم ..

وهذا ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال في حديثه الشريف : ( إن الله تعالى يخلق من تسبيحة أحكم ملاكاً يسبح الله تحت العرش تقول أنا تسبيحة فلان بن فلان .. ) أخرجه المستغفري في الدعوات من حديث ابن عمر .

فهل نرى هذا الحشد الملائكي الذي نشأ تخليقاً من تسبيحات إنسانية !!!

وللاستزادة من هذه المعرفة بإمكانكم قراءة كتاب ( رؤية القول بالبصر )

ثالثاً – حاكمية الكلمة في الحب :

أ – الكلمة الحاكمة في الخَلْقِ :

لقد خلق الله تعالى الكون وجميع المخلوقات مجبولة بالحب وعلى الحب ، حيث قال عزَّ وجلَّ في كتابه العزيز : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {56} الذاريات .

وإذا تتبعنا معنى العبادة ، ففي اللغة : عبَد اللهَ : وحَّدَه وأطاعَه وانقادَ وخضَع وذلَّ له والتزم شرائع دينه وأدى فرائضه ، ونضيف على ذلك المعنى أن العبادة على حقيقتها لا تكون إلا بحب ، فمَن لم يحب لا يعبد ولا ينقاد وإنما ينأى عن العبادة أصلاً ، لذلك كانت كلمة الله تعالى قد حكمت بالغاية من خلقه الجن والإنس ليعبدوه حباً ، وبقي على العباد أن ينفذوا هذه الإرادة الإلهية على كمالها .

ب – حاكمية كلمة الاتباع حباً :

ولما كانت إرادة الله سابقة لإرادة العبد ، فما كان من حب العبد إلا ما كان من حب الله السابق للعبد ، وإنما كان خلقه له ليعاين تلك الحقيقة الأزلية الأبدية والتي دلَّه على مسارها وطريقتها والتي تُختَصر بأنها ( الاتباع حباً ) حيث قال الحبيب عز وجلَّ :

{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {31} آل عمران ، فجعل علامة اليقين بالحب للفوز بالله تعالى هو الاتباع للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ..

فذلك هو السبيل للوصول بالدليل إلى الفوز بحب الحبيب الجميل .

لقد كان لكلمة الله تعالى حاكمية عظمى في الحب لم تحتج إلى مناقشات أو إثباتات .. كلمة مسطورة من الأزل حكمت القلوب ولم تزل .

ج – كلمات إلهية حاكمة في دليل الحب :

ولعل جانب الحب فياض في حقيقته يجعلنا نعرج إلى حقيقة أخرى لحاكمية الكلمة في عالم الحب حين نعلم أن الله تعالى وبدليل حبه لعباده وحكمه عليهم بنور الحب قد بيَّن لهم مَن هم أحباؤه فقرر بكلمات وقال :

{ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }

{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }

{ إنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }

{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }

فلعل قارئي هذه الآيات يسعون ليتخذوا وصفاً يحبه الله تعالى فيكونون بحبه ، ويتجنبوا أوصافاً تخرجهم عن دائرة حبه ورضوانه حين قال :

{ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }

{ إنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ }

{ إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ }

{ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }

فهذه الكلمات الإلهية الحاكمة حكمت الحضرة الإنسانية بأن جعلتها ملزمة بالخيار بعد البيان والتبيين ..

د – حاكمية الكلمة الأزلية :

لما خلق الله تعالى الوجود خلق السماوات والأرض فكانت جميعها حاملاً لكل ماعليها  وفيها ، فكان هناك الحامل والمحمول .

ولما كان الحامل يجب أن يكون بتمكين وقوة ورسوخ يستطيع معها حمل المحمول وجب أن تكون تلك القوة بمستوى عال ، وهل هناك أجمل من قوة الحب المكين ؟

وإنما أدل على تلك الحاكمية الكلمية التي حكمت كل مَن في السموات والأرض بذلك الحب بدليل الآية الكريمة : بسم الله الرحمن الرحيم

{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }

ولما كانت الطاعة شأن المحب فالمحب لمن يحب مطيع ، علمنا أن السموات والأرض أتيتا حباً بطاعتهما لا كرهاً ..

فالإتيان واقع لا محالة بحكم الله تعالى وكلمته { اِئْتِيَا } .. ولكنهما اختارا الطاعة وذلك هو الحب الباطن الذي عبَّرت عنه السماء والأرض بإرادة رحمة طالت كل من في السماء والأرض وعليهما وإلى يوم يبعثون ؛ فلو أتت السماء والأرض كرهاً لانصبغت بكل مَن فيها ومَن عليها بصبغة الجلال والقهر لأصل الكراهة في الإتيان ..

من هنا نتفكر في حاكمية تلك الكلمة التي صبغت الوجود برحمة الحب لنحسن اختياراتنا فتكون مصبوغة برحمة الحب .

نتابع مع حاكمية الكلمة :

رابعاً – حاكمية الكلمة في التغيير :

لما كانت الكلمة حاكمة كان لها خاصية إحداث التغيير الكوني سلباً أو إيجاباً ، سواءً كان هذا التغيير على الإنسان بذاته أو على أي من الموجودات في الكون .

ففي حديث السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قلتُ يا رسول الله : حسبُك من صفية كذا و كذا ( وقالت بيدها هكذا كأنها تعني قصيرة ) فقال : لقد قلتِ كلمةً لو مُزجَتْ بماء البحر لمزجتهُ ( أي لغيرت طبيعته باللون والرائحة والمذاق إلى الأسوأ ) ، وقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عن البحر هذا المُلك العظيم : ( الطهور ماؤه ) فإذا امتزج امتزاجاً يغير طبيعته فهو قد خرج عن طهره إلى خبث ، وهذا يؤكد لنا حاكمية الكلمة الواحدة في التغيير العظيم الذي من الممكن أن تحدثه ، فالكلمة لها معنى الغيبة ..

والغيبة حرام ، هذا ما تفعله الكلمة التي لا يرضاها الله تعالى ولا رسوله ، وهذا المشهد يقرر أن الكلمة حيَّة متوهجة بالحياة وفاعلة ودراكة تحكم في الوجود وقد تغيرملكاً عظيماً وتخرجه عن طبيعته ..

هذا من روح التغيير السلبي .

أما التغيير الإيجابي :

فإن من أجمل التغييرات بالكلمات الحاكمة على حياة الإنسان بجماليات عديدة فهو ( الاستغفار ) ودليل ذلك قوله تعالى : { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً {10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً {11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً {12} مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً {13}

فهذه الكلمات ذات التأثير العظيم بعظمة حروفها وعمق معانيها لها القدرة على تغيير حياة الإنسان بأكملها جمالاً ومدداً ، بالالتزام بذكرها على الحقيقة – إمداد دنيوي لرزق عام وخاص وإمداد مالي وإمداد بالأبناء وإمداد جمالي ملكوتي لا متناهٍ ..

كل هذا التغيير يحدث ببضع كلمات .. إلا أن روح هذه الكلمات حاكمة وتزيد حاكميتها بازدياد الوعي الروحي لمعانيها بحروفها ووصوفها .

خامساً – حاكمية الكلمة وتقريرها لنهاية جمالية أو جلالية :

لما كانت الكلمة حاكمة ، ولما كان حكمها حقاني كان لها الكلمة الفصل في سَوق صاحبها إلى نهاية حتمية جمالية أو إلى نهاية حتمية جلالية ..

وذلك أن الكلمة لها مستقر طالما كان لها منبع .. وهذه هي النتيجة التي تفضي إليها ..

وعن ذلك أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال في حديثه الشريف :

( إنَّ أحدكم لَيَتَكَلَّمُ الْكَلِمَةَ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا تهْوِي بِهِ فِي جَهَنَّمَ سبعين خريفاً ..

وإنَّ أحدكم لَيَتَكَلَّمُ الْكَلِمَةَ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا فيصيب بها رضا الله فترتفع به سبعين خريفاً في الجنة ) .

من هنا نفهم  حاكمية الكلمة واشتدادها في حال كانت كلمة سيئة ..

حتى وإن كانت بغير حسبان صاحبها إلامَ تفضي ، فإن كانت الكلمة الحسنة ترفع صاحبها درجات بمقدار معين ، فإن الكلمة السيئة تهوي بصاحبها في جهنم سبعين خريفاً ..

ونحن نعلم تماماً مامعنى الهوي الذي يكون بمعنى السقوط الشديد باتجاه واحد وبقوة ..

تلك حاكمية كلمة واحدة فقط .. فمابالنا بالكلمات ؟

فالكلمة تحكم صاحبها وكأنه قام بفعل أوجب على نفسه الارتقاء أو العقوبة ، فقد حكم على نفسه بنفسه .

سؤال : ما الفرق بين المعنيين جمالية وجلالية ؟

الجواب : الجمال : هو كل ما يدخل في فلك الجمال من حب وتذوق وارتقاء ومشاهدة وعيان ورضا ..

وفي مثالنا هذا إنما النهاية الجمالية الارتقاء الى جنان ورضوان ..

اكرمنا الله جميعا بالفردوس الأعلى .

أما الجلال : فهو كل ما يدخل في فلك الجلال من قهر وغضب وسوء خاتمة ..

وفي مثالنا هذا إنما النهاية الجلالية الهوي في جهنم سبعين خريفاً .. أعاذنا الله واياكم منها .

إن الكلمة حقيقة كونية أزلية أبدية ، وهي فاعلة في الوجود ، ولنعلم أنها في ميزان الإيمان بدليل حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم :

( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) لذلك وجب علينا أن نتخير كلماتنا اللائقة بكل حضرة ونعلم أن هذه الكلمات مودعة عند الحق تعالى ..

فلنحسن ودائعنا لنكون في فلك الرضا الأكرم والحب الأفخم ..

أكرمكم الله تعالى بجميل كلماته الرضية ورفعكم إلى مقامات الإحسان الهنية .

أرجوان اكون وُفقت في إعطاء لمحة عن حاكمية الكلمة لنستقي لاحقاً من قرءاننا الكريم التفكر الذي يرفعنا درجات .. فتح الله لنا ولكم فتوح العارفين .

أكرمكم الحق جميعاً وبارك بكم وزادكم حباً وقرباً ..

اشكر حضوركم الجميل ومشاركاتكم الأجمل التي رفدت عالم الكلمة بجماليات متألقة ..

أشكركم فرداً فرداً وارجو الله تعالى أن يرزقنا وإياكم بفردانية من فردانيات حبه آمين ..

أسعدتموني بحضوركم الجميل .. كل الشكر لكم .. اكرمكم الله تعالى .


تمت والحمد لله رب العالمين

Mail : info@fg111.net