– عنوان المحاضرة : الحوار وآدابه

– المحاضر : أ. رنا حمد

– المحاضرة : نصية

– قدمت في : FG – Group Academy -Turkey / 2018


من الأساليب الفعَّالة في بناء العلاقات بين البشر هو الحوار ..‌‏ فلا يمكن أن تنشأ المجتمعات إلّا عن طريق التفاعل الإيجابي به .

إذا أردنا أن نعرف الحوار ، كيف يكون ذلك ؟

ما هو الحوار ؟

يُعرَّف الحِوار لُغةً بأنّه النِّقاش أو الحديث الذي يجري بين شخصَين أو أكثر ، ويُعرَّف اصطلاحاً بأنّه : محادثة بين شخصَين أو فريقَين حول موضوعٍ مُحدَّد ؛ لكلٍّ منهما وجهة نظر خاصّة به ، هدفها الوصول إلى الحقيقة أو إلى أكبر قَدَر مُمكن من تطابُق وجهات النّظر ، بعيداً عن الخصومة أو التعصُّب ، بطريقة تعتمد على العلم والعقل ، مع استعداد كلا الطّرفين لقبول الحقيقة ولو ظهرت على يد الطّرف الآخر .

إذا أهم نقطة ، هو أن يكون الطرفان على استعداد لقبول الرأي الآخر و الهدف هو الوصول إلى الحقيقة .

يعتبر الحوار هو الطريقة الأساسية للتواصل بين الأشخاص ، و لكن الكثير منهم لا يملكون القدرة على الحوار مع الآخرين بشكل جيد ، و هذا ما يقودهم إلى الوقوع في الكثير من المواقف المحرجة ، و بالطبع يكون سبباً جوهرياً في خلافاتهم مع غيرهم ، سوف نعرض طرق تعلم فن الحوار لاحقاً .

أولاً – نبذة عن الحوار و أهميته :

الحوار هو الطريقة الرئيسية التي يعتمد عليها الأفراد من أجل التواصل مع بعضهم البعض .

و يستفاد منه أيضاً في تبادل الثقافة و من الضروري أن يحرص الإنسان على الإلتزام بآداب الحوار لكي يتمكن من التأثير على من يحاورهم بأيجابية ، و يستطيع القضاء على الخلافات و المشكلات بحكمة ، و من ثم يمكنعن طريق الحوار أن يتبادل الحديث أو المناقشة مع شخص آخر مع مراعاة التمسك بآداب الحوار ، و الإبتعاد عن التثبث بالرآي ، و تجاهل أحاديث الآخرين ، و عدم الإلتفات لآرائهم .

للحوارات بمختلف أشكالها وظروف إجراؤها أصول ومعايير، وللحديث مع الناس بمختلف أنماط تفكيرهم  قواعد ينبغي العمل بها ، وعلى من يريد إجراء حوار  في أي مجال عليه أن يكون على دراية تامة بأصول الحوار؛ لكي يحقق حواره الهدف منه .

– إن القدرة على إبداع وخلق مواضيع وقضايا جديدة لجذب وتقريب الآخر والتجاوب معه، تعتبر من الميزات والعناصر القوية في شخصية الفرد الذي يريد أن تكون له مكانة وحضور داخل محيطه و وسطه .

– إدارة الحوار فن ومهارة ، لا يقوم على الموهبة وحدها ، بل يتوجب لقيامه اشتغالاً مستمراً على ذواتنا وممارسة يومية مع الآخرين . وهو يتطلب الإفادة من التجارب الشخصية وحب التفاعل مع الآخرين وتقبل عاداتهم وتقاليدهم ، وكذلك حسن الإصغاء واحترام الآراء فن .

و هذه نقطة ضعف في الشخصية تفقد الشخص فرص مفيدة لتوسعة وعيه و فتح أفق جديدة لديه .

لماذا برأيكم هناك أشخاص لا يفضلون الحوار و يتجنبونه ؟

إن عدم الثقة في الذات يدفعنا دائماً إلى الاختباء والتستر بذرائع وأسباب واهية مثلاً ( حين يُطلَبُ من شخص إبداء رأي ما فهو يتملص ويتعذر بكونه لا يعرف ما يقول ، أو أنه غير مهتم .. ) .

فسرعة البديهة في الحوار والاسترسال في الكلام بغية الوصول إلى هدف وغاية محددة ، هو تعبير عن الكفاءة والتواصل الجيد داخل وسطنا الاجتماعي .

هذه المقومات والامكانيات الذاتية تمكن الفرد من التحكم في أدواته التواصلية وتمنحه المصداقية والمكانة المستحقة بين الآخرين .

فما السبيل لإيجاد مواضيع وقضايا مشوقة وجاذبة للآخرين ؟

سنذكر أولاً :

1- اختيار مواضيع للحوار تبرز ميولاتنا وتوجهاتنا :

تقتضي سيرورة الحياة أن يتدافع ويتنافس الأفراد فيما بينهم لخلق تفاعل وتواصل إنساني فاعل وإيجابي .

فالمجالات والفضاءات التي نستوحي منها تصوراتنا وأهدافنا، هي نفسها التي نستقي منها الطرق والمناهج والرؤى التي تتوافق وتتناغم مع ميولاتنا ومؤهلاتنا .

فلنجاح أي حوار لابد من توضيح بعض المفاتيح الأساسية لنجاحه ، من أهمها :

التأكيد على وجوب احترام قيم الآخرين وآراءهم .. تغيب هذه النقطة عن كثير من الناس للأسف .

التحفظ على المواضيع التي تسبب احراجاً وتجريحاً للآخرين .

طرح أفكار ومعلومات متناسبة ومواتية لمخاطبينا ، لمناقشتها والتفاعل معها .

احترام حرية عدم الإجابة من قبل المخاطبين على أي سؤال .توخي الليونة والمرونة وتجنب ردود الفعل والأحكام المسبقة والنهائية .

ضبط النفس عند الاستماع للآراء المخالفة لتصوراتك وقناعاتك .

اعتماد النظر في عيون مخاطبيك ، أي مخاطبتهم وجها لوجه .

الابتسامة ضرورية في تعزيز انفتاح المخاطبين وثقتهم .

فنقل وتحويل طاقاتنا وإعجابنا وحبنا للآخرين ، وإبراز تفاعلك وتجاوبك معهم يساهم في تنمية آلياتك ومقوماتك الاجتماعية .

فالعفوية والبساطة مطلوبة في الحوار مع الآخرين ، لكن الدقة والموضوعية والتنسيق ضروري في إظهار ملكاتك ومؤهلاتك التواصلية ، وأيضا في الوصول إلى الأهداف والمرامي المنشودة من هذا الحوار والمحادثة .

2- إجادة الانصات والاستماع هو وسيلة فعالة لطرح مواضيع جديدة :

فما دور حسن الاصغاء والانصات في العملية التواصلية ؟

إن تنمية وتقوية القدرات التواصلية وتجويد أساليب وطرق التخاطب مع الآخرين ، لا يتحقق بدون أن نجيد لغة الاصغاء والانصات لنبض الواقع والمجتمع .

فالاستماع والانصات للآخرين ، يمنحنا القدرة والفرصة لاستيعاب وفهم تطلعات وهواجس الآخرين .

ومن تم يسهل علينا تصور وتخيل المواضيع والقضايا الممكن طرحها في الحوار .

إن من مميزات المُحاوِر الجيد والحوار البناء ، هو عدم الحسم أو الاعتقاد بأن أسئلتنا وأجوبتنا قاطعة وحاسمة ، بل يجب أن نراعي أن عامل النسبية دائماً قائم ، لكي يظل حوارنا والأفكار التي نتناولها مفتوحة على المزيد من النقاش والفائدة .

ما هي أداب الحوار ؟

1-  إلقاء التحية على الناس بشكل مناسب :

إنّ إلقاء التحية أمرٌ مُهم، ولذلك يجب اختيار الأسلوب المناسب بناءً على الموقف وعلى الشخص الذي أمام المُتحدّث. يعتبر إلقاء التحية بالمصافحة طريقة مُحايدة ومقبولة بشكل عام، أمّا في المواقف الاجتماعية عندما تكون الوجوه مألوفة أكثر فإنّه من الممكن إلقاء التحيّة بشكل مختلف أكثر وديّة .

‏2-  تذكر الأسماء :

يساعد تكرار أسماء الأشخاص على حِفظها ، أمّا إذا تمّ نسيان الاسم فيجب طلب المساعدة بلباقة من طرف آخر حتى يُعيد ذكره ، أو من خلال التركيز الجيّد أثناء المحادثة لحين تذكّره .

3- يجب فهم نفسية الطرف الآخر :

معرفة مستواه العلمي ، وقدراته الفكرية ، سواء كان فرداً أو مجموعة ؛ ليخاطبهم بحسب ما يفهمون .. ” خاطبوا الناس على قدر عقولهم ” .

4- عدم التطرق إلى أحداث مؤلمة :

يجب الحرص أثناء المحادثة على عدم التطرّق إلى مواضيع لها صلة بظروف ، أو أحداث مؤلمة ، أو مزعجة لبعض الأشخاص ؛ فعند معرفة أنّ الموضوع يُسبّب ألماً لشخص ما لا يجب التوقّف عن الحديث فجأة ، ولا يجب الاعتذار ، فقط يُكتفى بتغيير الموضوع إلى موضوع آخر ، مع عدم لفت الانتباه عند تغيير الموضوع .. وبالنسبة لهذه النقطة الناس للأسف تتعمد التجريح و الإستفادة من نقاط ضعف الآخرين ، متناسبن أنهم بشر لا يخلون من أخطاء و آلام من أي نوع كان ، و كما تدين تدان .

5- عدم الاستحواذ على مجرى المحادثة :

إنّ السيطرة على مجرى الحديث لا تُعتبر محادثة ، فيجب عدم جذب الاهتمام للنفس أثناء الحديث ، وإعطاء الفرصة لشخص آخر أن يتحدّث ويُعبّر عن نفسه .

6- عدم المقاطعة أثناء التحدث :

يجب الحرص على عدم مقاطعة شخص بالأسئلة بالكلام طيلة الوقت ، لأنّها من الأمور المزعجة ، وذلك حتى مع عدم فهم الحديث بوضوح ، وبالتالي يجب الانتظار حتى انتهاء الحديث ، ومن ثمّ سؤال بعض الأسئلة التي يرغب بها الشخص .

7- عدم السخرية :

يجب تجنّب السخرية أو التعليق على شكل الشخص الذي يتم التحدّث معه ، أو على عمره ، أو على أي عيب موجود فيه ، أو على أي شخص آخر غير موجود ؛ ولذلك يجب الحذر الشديد عند التحدّث عن شخص غريب لشخص آخر وتجنّب ذكر العيوب لأنّ في ذلك جرحاً للمشاعر .

– أساسيات الحوار الناجح :

هناك العديد من آداب الحوار التي يجب الانتباه إليها ، ومنها :

جعل كلمة رجاءً وشكراً جزء من المحادثات اليومية .

محاولة تجنّب الكلمات الغريبة والمبهمة ، فبدلاً من ذلك يجب التفكير قبل التحدّث .

المُحافظة على اللطافة في لهجة الصوت .

عدم الخجل من خلال طرح بعض الأسئلة .

عدم الابتعاد وترك الأشخاص عندما تصبح أحاديثهم مملة ، ولذلك يجب تغيير الموضوع بدلاً من الابتعاد عنهم .

تجنّب سرد قصص طويلة عند التحدّث ، أو إعطاء الكثير من التفاصيل .

– أدب الحوار عندما تتعارض الآراء :

هنا يظهر معدن الشخص و ديدنه .. فيكون أدب الحوار عندما تتعارض الآراء من خلال :

تجنّب التقليل من أفكار ومعتقدات الشخص الآخر ، ويكون ذلك من خلال استخدام الكلمات والسلوكيات التي تدلّ على احترام الشخص لفكرة الشخص المقابل .

الاستماع إلى وجهة النظر الأخرى ؛ حيث إنّ الاستماع الجيد وسيلة لإظهار الاحترام ، وتفهُّم وجهات النظر .

الهدوء ؛ فهو شيء يجب القيام به للحفاظ على مسار صحيح للمحادثة .

البعد عن الرغي واللغو ، ورفع الصوت ، والفحش في الكلام ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حديث ابن مسعود : ” ليس المؤمن باللعان ولا بالطعان ولا الفاحش ولا البذيء ” .

البعد عن التنطع في الكلام ، والإعجاب بالنفس ، وحب الظهور ولفت أنظار الآخرين .

– خاتمة :

إذاً ، فالحوار الإيجابي الصحي هو الحوار الموضوعي الذي يرى الحسنات والسلبيات في الوقت ذاته ، ويرى العقبات ويرى أيضاً إمكانيات التغلب عليها ، وهو حوار صادق عميق وواضح الكلمات ومدلولاتها وهو الحوار المتكافئ ، الذي يعطي لكلا الطرفين فرصة التعبير والإبداع الحقيقي ، ويحترم الرأي الآخر ويعرف حتمية الخلاف في الرأي بين البشر وآداب الخلاف وتقبله .

سعدت جداً بمشاركتكم ، أرجو أن نكون قد قدمنا و لو معلومة أو إضافة صغيرة إلى مجمل علمكم و فائدتكم ..

و خير ما نختم به أمسيتنا ، أن الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على حبيب رب العالمين سيد المرسلين و آله و صحبه و من تبعه إلى يوم الدين .


تمت والحمد لله رب العالمين

Mail : info@fg111.net